البيان الذي أذاعته الحكومات العربية باستنكارالتقسيم
في تاريخ 17 كانون الأول 1947
منذ تلاقت أغراض الاستعمار وأطماع الصهيونية على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وعرب هذه البلاد في محنة، تفرض القوة عليهم جماعات أجنبية عنهم تأتيهم من الغرب والشرق بلغاتها وعادتها ومذاهبها الاجتماعية، ولا تلبث هذه الجماعات أن تنتزع من العرب بشتى الوسائل أراضيهم وموارد رزقهم، وهي اليوم تستلبهم أوطانهم، وقد مدت الدولة المنتدبة هؤلاء الدخلاء بالمعونة فمكنتهم من إنشاء جيش مدرب مسلح انقلب في السنين الأخيرة إلى أداة إرهاب وأداة شر على البلاد جميعا بما عاثوا فيها من فساد.وقد بصرت حكومات الدول العربية المنتدبة وغيرها في مناسبات كثيرة وبطرق شتى وفي مؤتمرات متعددة بسوء المنقلب في فلسطين وكاشفتها العاقبة الوخيمة لعملها وعمل الصهيونيين وما يؤدي إليه من حروب وفتن بين المسلمين والمسيحيين من ناحية واليهود من ناحية أخرى تعم الشرق بأسره وقد تمتد أحقابا طويلة، ولما تفاقمت الحالة في فلسطين وعجزت الدولة المنتدبة عن حفظ الأمن والنظام عرضت أمر الانتداب على هيئة الأمم المتحدة فأدت وفود الدول العربية في دورتي الجمعية العامة واجبها كاملا وأظهرت حق العرب وبغي الصهيونية، وأنذرت بالعواقب الوخيمة إذا ما تجاهلت الجمعية مبادئ الحق والديمقراطية ولكن لشديد الأسف تنكرت الجمعية لذات المبادئ التي تضمنها ميثاقها فأوصت بتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية فيها، وهي بذلك قد هدرت حق كل شعب في اختيار مصيره وتقريره، وأخلت بمبادئ الحق والعدالة جميعا، وهي قد رسمت للتقسيم حدودا غير قابلة للتنفيذ وتجعله أيضا مصدر الاضطراب والفتنة، فأدخلت فيما سمته بالدولة اليهودية أجود أراضي العرب وأوسعها رقعة وأكبر موارد الثروة الاقتصادية في البلاد وأخطرها شأنا ووضعت نصف مليون من العرب مسيحيين ومسلمين تحت نير الصهيونيين وسيف إرهابهم وهم أنفسهم لا يتجاوزون عدد العرب الذين يراد وضعهم تحت سلطان الصهيونية الدخيلة وذلك بعد أن نزعت الدولة المنتدبة من العرب سلاحهم ومكنت الصهيونية من رقابهم. وقد استفز هذا الوضع الظالم الشرق بأسره بل كثرة سكان العالم أجمع فهبت الشعوب العربية والإسلامية جميعا مندفعة لإزهاق الباطل وإحقاق الحق وإنقاذ عرب فلسطين المستضعفين في أراضيهم وديارهم، وحكومات دول الجامعة العربية تقف صفا واحدا في جانب شعوبها في نضالها لدفع الظلم عن إخوانهم العرب وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم ولتحقيق استقلال فلسطين ووحدتها، وقد قرر رؤساء وممثلو هذه الحكومات في اجتماعهم بالقاهرة أن التقسيم باطل من أساسه، وقرروا كذلك عملا بإرادة شعوبهم أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما هو كفيل بعون الله بإحباط مشروع التقسيم الظالم ونصرة حق العرب، وسيرى العالم استحالة أخذ العرب بالعنف وإخضاعهم للقوة أيا كان مصدرها وسيرى العالم أن العرب حين دعوا إلى التمسك بقواعد الحق والعدل وحين نذروا بعواقب المغامرة الصهيونية إنما كانوا طلاب حق وعدل بين الناس جميعا راغبين في استبعاد أسباب الفتن والاضطراب في الشرق الأوسط حريصين على إقرار السلام في ربوعه.
وسيرى العالم كذلك أن الذين عملوا على تقسيم فلسطين دون تدبر العواقب يتحملون وحدهم مسؤولية الفتن والاضطرابات التي أثارتها والتي لا يعلم مداها، أما وقد تغلبت الشهوات والأغراض حتى في ساحة الأمم المتحدة وأغلقت أبواب الحق والعدل في وجوه العرب فإنهم قد وطدوا العزم على خوض المعركة التي حملوا عليها وعلى السير بها حتى نهايتها الظافرة بإذن الله فتستقر مبادئ الأمم المتحدة في نصابها السليم وتسود في الأراضي المقدسة مبادئ العدالة والمساواة بين الناس أجمعين.
[line]رد الدول العربية على اقتراح مجلس الأمن بقبول الهدنة في 2 حزيران سنة 1948
أولا:
لقد أعلنت حكومات الدول العربية في ردها على الدعوة الأولى الموجهة إليها من مجلس الأمن بالغرض نفسه في 22 مايو الماضي أن أحب شيء إليها هو أن يعود السلام إلى ربوع فلسطين وأن ترى اليوم الذي يعيش فيه أهالي فلسطين من عرب ويهود جنبا إلى جنب في وئام وتفاهم تام، كما وضحت الأسباب التي من أجلها رفضت قبول تلك الدعوة ولفتت النظر إلى الضمانات التي بدونها لن يكون وقف القتال الدائم في فلسطين إلا استراحة مؤقتة تمهد لاضطرابات أوسع مدى وإرهاب أشد وطأة وأكثر مرارة.
ثانيا:
إنه لمن دواعي الارتياح أن كانت ملاحظاتها محل عناية مجلس الأمن وتقديره، وما وقف القتال إلا وسيلة تمكن من إيجاد حل عادل طال انتظاره لقضية فلسطين، ولذلك يسر الدول العربية أن تسجل ما جاء في قرار مجلس الأمن من تكليف الوسيط المعين من قبل الأمم المتحدة أن يتصل بمجرد وقف القتال بجميع الأطراف للاضطلاع بمهامه التي عهدت إليه بها الجمعية العامة بقرارها الصادر في 14 مايو الماضي.
ثالثا:
من بين هذه المهام بل وفي مقدمتها الوصول إلى حل سلمي عادل لهذه القضية، وإن حكومات الدول العربية لعلى يقين من أن الوسيط المعين من قبل هيئة الأمم المتحدة وأعضاء لجنة الهدنة التي عينها مجلس الأمن في 22 ابريل سنة 1948 سوف يرون بأنفسهم أن كل حل لا يحفظ لفلسطين وحدتها السياسية ولا يراعي فيه إرادة غالبية أهالي فلسطين لن يكون له أي حظ من النجاح.
رابعا:
ولا شك أنه مما يتعارض مع الغرض الذي من أجله طلب وقف القتال أن تفتح منافذ فلسطين التي بيد الصهيونيين الآن على مصراعيها لتتلقى سيل المهاجرين من اليهود الذين هم في سن حمل السلاح والذين يرقبون أول فرصة لدخول فلسطين أفواجا قادمين من مختلف الموانئ في أوروبا وإفريقيا. ولقد درب معظمهم أقوى تدريب على أعمال القتال ولا غرض لهم من دخول فلسطين إلا الانضمام إلى العصابات الإرهابية الصهيونية. وفي ذلك أكبر تهديد لكيان عرب فلسطين ولاستقرار الأمن في البلاد العربية والشرق الأوسط.
خامسا:
ولا يمكن أن يكون قصد مجلس الأمن قد اتجه إلى السماح للصهيونيين بالإفادة من فترة وقف القتال للاستزادة من الرجال الذين وإن وصلوا إلى فلسطين بشكل مهاجرين إلا أنهم في واقع الأمر محاربون مدربون تنطبق عليهم بطبيعة الحال الفقرة الثانية من قرار مجلس الأمن الخاصة بعدم السماح للأفراد المحاربين بدخول فلسطين أثناء فترة وقف القتال.
سادسا:
وأخيرا يهم حكومات الدول العربية أن تكون هنالك هيئة موفورة الضمانات تتولى الإشراف على تنفيذ أحكام قرار مجلس الأمن الخاصة بوقف القتال وشروطه بكل دقة وعناية وأن تكون قادرة على الاضطلاع بتلك المهمة الخطيرة.
سابعا:
ولا ترى الحكومات الدول العربية أن قرار مجلس الأمن في هذه الناحية يطمئنها على احترام الطرف الآخر لأحكام وقف القتال وشروطه. ومن أجل ذلك فإنه يهمها بوصفها أعضاء في منظمة إقليمية مسئولة عن حفظ الأمن في ساحتها أن تتعاون مع الوسيط المعين من قبل هيئة الأمم المتحدة ومع أعضاء هيئة الهدنة لفلسطين تعاونا صادقا في الإشراف على تنفيذ تلك الأحكام والشروط.
ثامنا:
وعلى ضوء هذه الإيضاحات توافق الدول العربية الحريصة على أن يستقر السلام في ربوع فلسطين تمكينا من الوصول إلى الحل العادل للقضية الفلسطينية على أن تلبى دعوة مجلس الأمن إلى وقف القتال لمدة أربعة أسابيع ابتداء من الوقت الذي تقرر بذلك.
تاسعا:
وإن في تلبية الدول العربية لهذه الدعوة مع إخفاق جميع المحاولات التي بذلت حتى الآن لحل قضية فلسطين حلا عادلا بسبب تعنت الصهيونيين لأكبر دليل على صدق رغبتها في التعاون مع الأمم المتحدة للوصول إلى هذا الحل بالرغم من تمكن جيوشها من ناصية الأمر.