الجودة الصحية و داء السكري
د/ المعتز الخير احمد عبدالرحمن
مستشفى الملك فيصل / عيادة السكر
القريات / الشمال
المملكة العربية السعودية
الصحة هي أحد دعائم المجتمع السليم وللذي تسعى كافة الدول للوصول إليه من خلال كافة الوسائل المتاحة لها.ولعل الوصول للجودة الصحية هو الهدف السامي وللذي يسعى للوصول إليه أي نظام صحي.ولتحقيق هذا الهدف لا بد من وضع الخطط الكفيلة لتحقيقه.
مع اتساع قاعدة الخدمات الطبية المتاحة لأفراد المجتمع وخاصة خدمات رعاية الأمومة والطفولة فان الهرم السكاني اخذ في التغير لتصبح قمة الهرم والتي تمثل الفئات العمرية الأكبر سنا اكثر اتساعا من القاعدة و التي تمثل الفئات العمرية صغيرة السن.أما هرم الخدمات الصحية فتمثل قاعدته خدمات الرعاية الصحية الأولية الثابتة والمتنقلة وتمثل قمته الخدمات الصحية التخصصية فائقة المستوى.وفي كل مراحل تدرج هذا الهرم يتنقل مفهوم الوقاية ليقلل أعداد المرضى اللذين يتم نقلهم إلى مستوى خدمة صحية أعلى.ويقاس نجاح النظام الصحي بنجاح برامج الوقاية الصحية وبالتالي تناقص معدلات الإصابة بالأمراض و معدلات الوفيات في إطار كل فئة من فئات الهرم السكاني.
ومن أهم أدوار الرعاية الصحية الأولية التي تستهدف فيئات الهرم السكاني هو بث الوعي الصحي من خلال برامج التثقيف الصحي.وحقيقة يعتبر تملك المعلومات الصحية الصحيحة المناسبة للتداول العام لأفراد المجتمع, من أهم دفاعات مفهوم الوقاية. وتعتمد برامج الوقاية على أربعة عناصر تشكل أركان تلك البرامج.
الركن الأول وهو الملقي أو الناقل ,الركن الثاني الرسالة المراد توصيلها,الركن الثالث الوسائط التي تستعمل لنقل الرسالة والركن الرابع المتلقي أو الهدف.ولنبدأ بالركن الأول وهو الملقي أو الناقل ,وللذي لابد وان يستوفي العديد من الشروط للوصول ألي احسن مستويات الأداء.
أول هذه الشروط هو فهم واستيعاب الرسالة المراد توصيلها ومن ثم ترجمتها بصورة مبسطة وباللغة اللتي يفهمها المجتمع المستهدف.ومن ضمن الشروط الهامة الأخرى هي انتماء الموصل إلى المجتمع المستهدف وذلك لسهولة تمازجه وتداخله مع المجتمع المستهدف وسهولة تخلصه من العوائق الاجتماعية التي تعيق الموصل الغير منتمى للمجتمع المستهدف. ودائما لابد وان تتداخل دوائر الخدمات المختلفة حتى يتم تعديل بعض المفاهيم الاجتماعية والمورثات الاجتماعية التي قد تعيق عمل الملقي أو الموصل( مثل النظرة العرقية ,الاجتماعية والاقتصادية).ثم يأتي الركن الثاني وهو الرسالة المراد توصيلها وهي هنا عناصر التوعية الصحية التي ترفع من وعي المجتمع لتجنب بعض العادات السيئة أو السلوكيات التي تؤدي إلى تفشي بعض الأمراض أو تساعد على ظهور بعض المضاعفات,وينبغي أن تكون تلك الرسالة سهلة ومبسطة وواضحة تراعي المستوى الفكري والعمري والتعليمي للفئة المستهدفة.وتلعب الوسائط دورا هاما في توصيل الرسالة للفئة المستهدفة .قد يتم توصيل الرسالة بصورة مباشرة مثل التحاور المباشر سواء بصورة فردية أو جماعية أو توصيل الرسالة بصورة غير مباشرة كاستخدام الملصقات أو نشرات التوعية أو استخدام الوسائل الإعلامية المختلفة مثل الدراما الإذاعية أو التلفزيونية لمناقشة بعض القضايا الطبية وطرق علاجها. ويتم اختيار الوسيط الناقل وفق الخصائص الاجتماعية والفكرية والاقتصادية للفئة المستهدفة.أما المتلقي أو الهدف فهو الركن الرابع من أركان منظومة برنامج الوقاية الصحية. و.يشكل المتلقي أو الهدف أحد عناصر المجتمع وللذي تشمله مظلة الرعاية الصحية.ولكن اكثر الأخطاء شيوعا هو اعتبار الفرد متلقي للخدمة الصحية دون واجبات, بمعنى أن الخدمة الصحية حق له دون واجبات عليه يهدف تكاملهما على الحفاظ وتطوير تلك الخدمة.ولعل انسياب الخدمة الصحية في اتجاه واحد دون النظر في تطوير الهدف (المريض) من خلال برامج التوعية الصحية من أهم مسببات أهلاك الموارد الصحية.
ويزداد الأمر سوء عندما يبدأ الفرد في التنقل عبر مستويات الخدمة الصحية دون ضوابط والقفز فوق مستوى الرعاية الصحية الأولية التي تتولى الدور الوقائي إلى مستوى الرعاية التخصصية التي تهتم بالدور العلاجي.ويتم هذا التنقل دون محاسبة أو رقابة أو تنظيم.ولعل اكثر الأمور خطورة هو إهمال الجانب النفسي في المتلقي وناقل الخدمة.ولعل مستوى العلاقة بين الناقل والمتلقي يتحكم في سير وتدفق الرسالة بينهما.
وعند اختلال تلك العلاقة بين المتلقي والناقل تبدأ بعض المشاعر العدوانية في الظهور مما يفسد الهدف من توصيل تلك الرسالة.كما تعكس دقة وعمق معرفة الملقي صورة جيدة تحفز المتلقي للثقة به ومن ثم تقبل الرسالة.أما إذا كان الملقي لا يملك تلك القدرة فعليه أن يوصل رسالته عبر أفراد يمتلكون ثقة مجتمعهم كرجال الدين.
ولضمان جودة الأداء الصحي لابد من تفعيل برامج الوقاية الصحية التي تستهدف كافة مستويات الهرم السكاني.ولعل التوسع الأفقي للرعاية الصحية الأولية هدف تسعى إليه كافة الأنظمة الصحية, ولكن يظهر سؤال على السطح لتعكس الإجابة عليه مدى فعالية تلك الخدمة وهو التناسب في حجم الرعاية الصحية المتخصصة والرعاية الصحية فائقة التخصصية مع حجم الرعاية الأولية. فإذا كان جميع أو اغلب عناصر المجتمع تستهلك تلك المستويات من الرعاية فهذا يعني أن مستوى الرعاية الأولية قد سمح للهرم السكاني بان يتسع في القمة ولم يراعي اجتثاث وتعديل بعض السلوكيات ومحو بعض الأمراض المزمنة التي تحتاج معالجتها أو معالجة مضاعفاتها لعناية صحية متخصصة وبالتالي ارتفع العمر المتوقع للأفراد بمشيئة الله وارتفعت معدلات الإصابة بالأمراض والمضاعفات المرضية واتسع نطاق كافة مستويات هرم الخدمات الصحية,مما يؤدي إلى تشتيت أهداف وواجبات كل شريحة من شرائح هرم الخدمات الصحية.ولعل داء السكري هو أحد تلك الأمثلة. فمعدلات الإصابة بهذا الداء صارت تتصاعد بصورة تتطلب التوقف واعادة تقييم أداء وفعالية أنظمة الرعاية الأولية. ولنا أن نعرف أن معدل الإصابة بداء السكري في منطقة الشرق الأوسط قد ارتفع إلي 7.4% وفي بعض دول الخليج ارتفع ليصل إلى قرابة 15% .
ولنا أن نتخيل مقدار ما يمثله المال والجهد والعناية بهذا الداء من جملة مصادر الصرف الصحي .ولنا أن نتصور حجم الخسارة التي يتكبدها المجتمع من جراء خروج هذه الشريحة (المصابون بداء السكري) من نطاق القوة البشرية المنتجة. وعند ظهور المضاعفات المستقبلية لهذا الداء تبدأ رحلة استهلاك الخدمات الصحية التخصصية والتخصصية فائقة المستوى ويكفي أن نعلم أن داء السكري هو اكثر أسباب العمى شيوعا ويحتل رأس قائمة الأسباب المسببة للفشل الكلوي المزمن,ويصنف من ضمن الأسباب الهامة لامراض القلب الاسكيمية و أمراض الشرايين الطرفية و اعتلالات الأعصاب والقائمة تطول لتعداد المضاعفات المزمنة لداء السكري.ولكن الصورة تختلف تماما إذا تم تفعيل برامج الوقاية على مستوى الرعاية الصحية الأولية وتم العناية بتوصيل مفهوم" الوقاية خير من العلاج ".
ويعتبر البحث الوبائي والتحليل الإحصائي من ضمن أسلحة الرعاية الصحية الأولية الفعالة لتحديد حجم المشكلة و أسبابها وارتباطاتها العائلية,البيئية والوراثية.
إن السعي لإنشاء شبكة من عيادات السكري ترتبط في ما بينها وتلتقي جميعها في مركز رئيسي لأبحاث ودراسات السكري تمثل الدرع الواقي لمقاومة تسرب هذا الداء,على أن تمد هذه العيادات المركز الرئيسي بتقارير ربع سنوية حول داء السكري في المنطقة التي توجد فيها ويتم التنسيق لمؤتمر سنوي للقائمين عليها لمناقشة المشكلات التي تواجه كل عيادة,كما تقوم كل عيادة بتقديم دراسة حول إحدى المشاكل التي واجهتها وكيفية حلها لتكون خبرة مقدمة لباقي العيادات . لعل هذه المنظومة الصحية ستكون البنية الأساسية والرافد العظيم لقاعدة بيانات داء السكري ومرضى داء السكري بحيث يصبح الحلم في أن يحمل مريض داء السكري رقم صحي يتعامل به في كافة عيادات السكري على مستوى العام حلم اقرب للواقع من الخيال ,ويكفى أن يدخل الطبيب المعالج رقم المريض الصحي في جهاز الحاسوب ليخرج كافة المعلومات الطبية حول المريض وسجل المتابعة الخاص به ليس في منطقته فحسب بل في كل مكان وجد فيه المريض و تلقي فيه الخدمة الصحية .ولا تخفى الفائدة الكبيرة من مثل هذا النظام,حيث يمكن بواسطته التقنين الكامل لصرف الدواء ,والمتابعة الفعلية لانسياب الدواء.كما يمثل هذا النظام ثروة من المعلومات الصحية تسمح بإجراء كافة أنواع الدراسات البيئية
ولعل عدم تداخل دوائر الخدمات الأخرى مثل التربية و التعليم مع دائرة الرعاية الصحية من أهم الأسباب التي تجعل فئات المجتمع جزر متباعدة , يحتاج كل برنامج خدمي يستهدف أية فئة لوضع قواعده وسياساته التي قد تتداخل أو تتعارض مع قواعد وسياسات الخدمات الأخرى
ولكن التنسيق بين واضعي برامج الخدمات الأخرى يساعد كل مجموعة على وضع القواعد التي تساعدها في إنشاء وتفعيل برامجها المختلفة ولعل أهم تلك البرنامج هو برنامج الوقاية وللذي تطبقه دائرة الخدمات الصحية.
وهكذا فان عدم الدقة في وضع ورسم سياسات الخدمة الصحية خاصة إذا لم يصاحب بتطبيق جيد لتلك السياسات وتقيمها بصورة مستمرة في مختلف فئات الهرم السكاني فان النتيجة الحتمية هي إهدار الموارد الصحية وتآكلها بمرور الوقت وحصر الخدمة التي تقدمها الرعاية المتخصصة والرعاية فائقة التخصصية في إصلاح أخطاء الرعاية الأولية