منشار المحضار
| موضوع: الدراسة المصطلحية لألفاظ القرآن الكريم السبت سبتمبر 25, 2010 7:42 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الدراسة المصطلحية لألفاظ القرآن الكريم <blockquote> لا جرم أن الوحي - قرآناً وسنة - مجموعة من المفاهيم، إذا حُصِّلت حُصِّلت كليات الدين، وإذا لم تفقه لم يفقه الدين. ولا سبيل إلى التفقه في النص القرآني بغير دراسة مصطلحاته وألفاظه الكريمة المكونة له، فهي مفتاح وصول العقول إلى مراد الله عز وجل. فالمصطلح القرآني تتباين دلالاته بتباين امتداداته داخل النسيج المفهومي للنص القرآني، وتختلف معان مبانيه باختلاف القضايا التي طرح فيها هذا المصطلح. ويراد بالدراسة المصطلحية لألفاظ القرآن "تلك الدراسة المنهجية الجامعة التي تبين مفاهيم المصطلحات من نصوصها، وتبين المقومات الدلالية الذاتية للمصطلح عبر ضمائمه واشتقاقاته والقضايا الموصولة به"[1]. ** منهجية دراسة المصطلح القرآني: ينحصر عمل الدارس للمصطلح القرآني في المراحل التالية: أ- مرحلة الإحصاء: وهي تشمل: • إحصاء المصطلح كيفما ورد شكلاً وحجماً واشتقاقاً. • إحصاء القضايا العامة المندرجة تحت مفهومه. ب- مرحلة الدراسة المعجمية: والغاية منها ما يلي: • الوقوف على المعنى العام للجذور اللغوية للمصطلح. • الوقوف على المعاني الخاصة لمشتقات هذا الجذر وذلك بالاعتماد على أمهات المعاجم. ج- مرحلة الدراسة النصية: وهي المرحلة الحاسمة في البحث، تقوم على ضبط مفهوم المصطلح وذلك بعد تتبع دلالاته الجزئية في كل نص. ** مقاصد دراسة المصطلح القرآني: • الاستجابة لأمر الله عز وجل في تدبر القرآن الكريم، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ.. [ص: 29]. • ترسيخ المفهوم الصحيح ونفض الغبار عنه وكشف الغطاء عن معانيه لتحصيل المقاصد التابعة. • تصحيح الأفهام الخاطئة. • جريان هذه المصطلحات وتداولها على الأذان استماعاً والأفواه قولاً. • العمل بمقتضياتها باللسان والقلب والجوارح. ** مثال لكيفية دراسة المصطلح القرآني وردت مادة (نظر) في القرآن الكريم في أربع ومائة -104- موضع، موزعة على خمس وأربعين -45- سورة, و أغلب ما يعرفه الناس عن مادة (نظر) أنها تستعمل فى نظر الرؤية, و لكن فى القرآن نجد أن مادة (نظر) قد استعملت على عدة معاني: 1- نظر الرؤية: قال الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.. [القيامة: 22-23]. قال ابن عطية المحاربي: (حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم، موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء، فإنه ليس كمثله شيء لا إله إلا هو)[2]، وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند علماء الحديث، لحديث أبي سعيد وأبي هريرة: (أن أناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تُضَارُّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سَحَاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم تَرَون ربكم كذلك)[3]. 2- نظر الانتظار: قال تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ.. [يس: 49]. يخبر تعالى عن تكذيب الكفار لقيام الساعة في قولهم للمؤمنين: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين.. قال ابن كثير: (قال الله تعالى: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة، وهذه - والله أعلم - نفخة الفزع)[4]. 3- نظر التأمل و الاعتبار: قال عز وجل: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.. [آل عمران: 137]. يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ.. أي قد مر هذا مع من سبقكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم ودارت الدوائر على الكافرين، ولهذا قال: {فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.. قال ابن عاشور: (وأريد النظر في آثارهم ليحصل منه تحقّق ما بلغ من أخبارهم، أو السؤال عن أسباب هلاكهم، وكيف كانوا أولي قوة، وكيف طغوا على المستضعفين، فاستأصلهم الله أو لتطمئنّ نفوس المؤمنين بمشاهدة المخبر عنهم مشاهدةَ عيان، فإنّ للعيان بديع معنى لأن بَلَغتهم أخبار المكذّبين، ومن المكذّبين عاد وثمود وأصحاب الأيكة وأصحاب الرسّ، وكلّهم في بلاد العرب يستطيعون مشاهدة آثارهم، وقد شهدها كثير منهم في أسفارهم)[5]. ومنه قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.. [الروم: 50]. وقوله تعالى أيضاً: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ.. [الغاشية: 17-20]. هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان - السماء والأرض والجبال والحيوان - ليتأمل فيها ويمعن فيها النظر، ليصل إلى معرفة الله جل جلاله وقدرته. 4- نظر التعطف: ويراد بالنظر في القرآن الكريم أيضاً، العطف والرحمة والشفقة، لقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.. [آل عمران: 77]. أي أن الذين يفعلون ذلك - من أهل الكتاب بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم - لا حظ لهم في خيرات الآخرة، ولا نصيب لهم من نعيم الجنة ولا يعطف عليهم بخير، مقتًا من الله عليهم. قال ابن كثير: (لا يكلمهم كلام لطف بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة)[6]. ومنه ما أخرجه الإمام مسلم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر)[7]. قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: (لَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ أي: يعرض عنهم. ونظره - سبحانه وتعالى - لعباده - رحمته ولطفه بهم)[8]. 5- نظر المهلة والتأجيل: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ.. [البقرة: 162-163]. وقد فسر الإمام البغوي هذه الآية بقوله: (لا يمهلون ولا يؤجلون وقال أبو العالية: لا ينظرون فيعتذروا كقوله تعالى {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ..[المرسلات:36])[9]. وروي عن الألوسي قوله: (الإنظار بمعنى التأخير أي لا يمهلون عن العذاب ولا يؤخرون عنه ساعة)[10]. ومثله قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.. [الآية:280]. وشاهد إنه إذا تعذر على غريم سداد ما عليه من الدين فالأصل تأجيل الدين عليه إلى ميسرة، قال الإمام الشوكاني: (لما حَكَم سبحانه لأهل الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى يسار، والعسرة: ضيق الحال من جهة عدم المال، ومنه جيش العسرة. والنظرة: التأخير)[11]. ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء: {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ.. [الآية: 203]. 6- نظر الخوف والرعب والمذلة: قال جل وعز: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا.. [الأحزاب: 79]. هذه الآية نزلت في شأن المنافقين، روى الإمام السيوطي عن ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: ({فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ.. قال: إذا حضروا القتال والعدو {رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ.. أجبن قوم، وأخذله للحق {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ.. قال: من الخوف)[12]. ومنه قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ .. [الشورى: 45]. والشاهد أن الظالمين أذلهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له. فطفق ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفي ذليل. وهذا ما خلص إليه الإمام الطبري - بعد سرده لجملة من الروايات - بقوله: (والصواب من القول في ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد، وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل، وصفه الله جلّ ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور، فتذهب)[13]. </blockquote> المراجع :[1] مفهوم التأويل في القرآن الكريم الحديث الشريف،فريدة زمرد، معهد الدراسات المصطلحية ،كلية الآداب و العلوم الإنسانية ظهر المهراز، فاس. [2] المحرر الوجيز 6/458. [3] صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة. [4] تفسير ابن كثير 6/581. [5] التحرير و التنوير 3/221. [6] تفسير ابن كثير 2/62. [7] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة. [8] شرح النووي على مسلم 1/217. [9] معالم التنزيل 2/176. [10] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني 2/80. [11] فتح القدير 1/404. [12] الدر المنثور في التأويل بالمنثور 8/138. [13] جامع البيان في تأويل القرآن 21/554. د. عبدالحكيم درقاوي http://e3jaz.way2allah.com/modules.p...article&sid=72 | |
|